حبست ألمانيا أنفاسها خلال الأيام الماضية وسط مخاوف من قطع إمدادات الغاز الروسي الذي يمثل 35٪ من واردات برلين.

بدأت المخاوف مع اندلاع الحرب الروسية فِيْ أوكرانيا فِيْ 24 فبراير، وبدأت موسكو فِيْ استخدام الغاز كسلاح ضد أوروبا مع فرض عقوبات غربية على روسيا.

فِيْ ظل حالة من التوتر، لم تنقطع العلاقة بين ألمانيا وروسيا، وحافظت برلين على بعض الهدوء، على عكس بقية الدول الأوروبية، كونها أكبر مستورد للغاز الروسي فِيْ القارة العجوز.

مع قيام روسيا بصيانة خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1، على الرغم من أنه صيانة دورية، تسللت المخاوف إلَّى برلين والعديد من العواصم الأوروبية خوفًا من قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز تمامًا.

بعد 10 أيام من الترقب والتوتر، خفت حدة الأزمة وتنفس ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية الصعداء اليوم الخميس مع استئناف إمدادات الغاز من روسيا عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1”.

السؤال .. هل يمكن أن تتحرر ألمانيا من قبضة الغاز الروسي وكَيْفَ يمكن أن يكون أكبر اقتصاد فِيْ أوروبا رهِيْنة هذا الوضع

فِيْ ذروة الحرب الباردة، بدأ الاتحاد السوفِيْتي شراء خطوط أنابيب من ألمانيا لبناء خطوط أنابيب للنفط والغاز تسمح له بالاستفادة من احتياطياته الهائلة من الطاقة، وفقًا لوكالة فرانس برس.

لكن إدارة الرئيس الأمريكي جون كينيدي، التي كانت قلقة بشأن نمو قدرة الطاقة السوفِيْتية، تمكنت من حظر صادرات خطوط الأنابيب الألمانية.

الأنابيب مقابل الغاز

بعد رفع العقوبات فِيْ عام 1966، وقع البلدان اتفاقية “أنابيب للغاز” التاريخية، حيث تلقى الاتحاد السوفِيْتي أنابيب فولاذية مقابل تزويد ألمانيا بالغاز.

فِيْ عام 1973، استلمت ألمانيا الغربية أولى شحناتها من النفط الخام من سيبيريا. فِيْ وقت سقوط جدار برلين (1989)، كان الاتحاد السوفِيْتي مصدرًا لنحو نصف واردات ألمانيا الغربية من الغاز.

أسعار ترويجية

تمكنت ألمانيا من شراء الغاز الروسي بأسعار قريبة من الحافز، مما شكل قوة دفع قوية لقطاعها الصناعي.

مع تحرير أسواق الغاز والكهرباء الأوروبية فِيْ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بدأت شركات الطاقة فِيْ البحث عَنّْ “أكثر المعروض وفرة، وهُو الغاز الطبيعي الروسي”، وفقًا لسيغمار غابرييل، الذي كان وزيرًا للاقتصاد فِيْ عهد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل.

كان غابرييل أحد رموز الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بالإضافة إلَّى المستشار السابق جيرهارد شرودر، الذي دفع من أجل تطوير العلاقات التجارية مع روسيا. واصلت ميركل هذه السياسة عَنّْدما خلفت شرودر فِيْ المستشارية عام 2005.

فِيْ مقابلة أجرتها بعد تقاعدها من السياسة فِيْ عام 2022، دافعت ميركل عَنّْ هذا النهج، قائلة إن العلاقات التجارية الوثيقة مع موسكو كانت “فِيْ صالح” برلين.

نمت شبكة اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي على مر العقود. فِيْ عام 1994، بدأت أعمال البناء فِيْ خط أنابيب يامال، الذي يعبر بولندا وبيلاروسيا، وفِيْ عام 2011، بدأ العمل فِيْ “نورد ستريم 1″، الذي يمر تحت بحر البلطيق.

التحرك الألماني

فِيْ العام الذي دخل فِيْه نورد ستريم 1 الخدمة، قررت ألمانيا التخلي تدريجياً عَنّْ الطاقة النووية بعد حادث محطة فوكوشيما فِيْ اليابان. كَمْا تعهدت بعد ذلك بتقليل الاعتماد على الفحم وتعزيز الطاقة المتجددة.

كانت برلين تأمل فِيْ أن يعوض الغاز عَنّْ الانخفاض فِيْ مصادر الطاقة الأخرى.

وفِيْ هذا السياق، قررت حكومة ميركل فِيْ عام 2015 إطلاق مشروع “نورد ستريم 2” مع روسيا، وهُو خط أنابيب موازٍ للخط الأول يسمح بمضاعفة واردات الغاز.

أثار المشروع التوتر بين ألمانيا وشركائها الأوروبيين والولايات المتحدة، الذين رأوا أنه يمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفوذاً محفوفاً بالمخاطر.

بعد سنوات من البناء والاستثمار الضخم، قررت ألمانيا تعليق المشروع، حيث أعلن المستشار الحالي أولاف شولتز “تعليق” الموافقة على تشغيله قبل يومين من بدء روسيا غزوها لأوكرانيا.

أزمة أوكرانيا

استمر الاعتماد على واردات الطاقة الروسية، مع ذلك، تاركًا أيدي ألمانيا مقيدة فِيْ الصراع فِيْ أوكرانيا، واحتفظت روسيا بمصدر للدخل يمكن استخدامه لتمويل الحرب.

يقول بن ماكويليامز، محلل الطاقة فِيْ معهد بروغل، إن ألمانيا أخطأت فِيْ الحسابات.

“من الواضح جدًا أنه كان هناك رهان إذا حصلنا على كَمْية كبيرة من الطاقة الروسية، فِيْمكننا السيطرة على روسيا، وستخسر روسيا الكثير إذا أزعجت ألمانيا أو عادتها، لذلك لن تنقطع” الإمدادات منه.

وقال لوكالة فرانس برس “كان هذا هُو الرهان وكان (الرهان) خاطئا”.

وتقول برلين إن شركة الطاقة الروسية العملاقة جازبروم بدأت منذ يونيو حزيران فِيْ تقييد الإمدادات مما يمنع ألمانيا من تجديد احتياطياتها من المواد الحيوية قبل بدء البرد.

مأزق ألماني

وقعت ألمانيا فِيْ مأزق اقتصادي ودبلوماسي عرّضها لسيل من الانتقادات التي تراوحت من كونها ساذجة إلَّى اعتبارها ضحية لجشعها.

قال رولف مارتن شميتز، الرئيس السابق لشركة الطاقة الألمانية العملاقة RWE، إن “الاعتماد على روسيا فِيْ مجال الطاقة كان خطوة عقلانية … استفاد الجميع”، فِيْ تصريحات لمجلة “دير شبيجل”.

وأضاف “لكن الخطة لم تشمل مستبدًا مثل بوتين”.

من جانبه قال روبرت هابيك وزير الاقتصاد فِيْ حكومة شولز التي تولت السلطة فِيْ ديسمبر الماضي، إن على ألمانيا أن تتعلم درسا قاسيا.

قال “لا يجب أن نضع كل بيضنا فِيْ سلة واحدة”.

وبحسب تقديراتها، لن تتمكن الحكومة حتى منتصف عام 2024 من تحرير نفسها من الاعتماد على الغاز الروسي الذي لا يزال يشكل 35٪ من الواردات.